فوزي المعلوف شاعر لبناني مغترب لم يترك له العمر مهلة أكبر كي يعطي للأدب والشعر أكثر مما أعطى , فقد داهمه
المرض وهو ما يزال في فورة الشباب فرحل عن الدنيا تاركاً اشعاره العابقة بأريج الجمال .
ولد فوزي المعلوف في زحلة المدينة الغافية على ضفاف البردوني في 21 ايار سنة 1899 وقد نشأ في بيت علم وأدب , وكلنا يعلم ما للبيئة من تأثير في حياة الابناء , ثم تلقى تعليمه الابتدائي في الكلية الشرقية حتى سنة 1913 000 بعدها انتقل إلى مدرسة الفرير في بيروت حيث اتقن اللغتين العربية والفرنسية , واطلع على آداب وروائع هاتين اللغتين .
في هذه الاثناء بدأت بوادر نبوغه بالظهور حتى عرف بين رفاقه بميله إلى نظم الشعر وترك فوزي المعلوف المدرسة لظروف خاصة به , فعمل في التجارة , ثم ما لبث أن تركها ليعمل في احدى الوظائف في دمشق 0
وفي هذه المدينة العريقة تاريخياً وأدبياً وفكرياً استطاع شاعرنا ان ينصرف إلى الأدب هوايته المفضلة , فراسل كبريات الصحف المصرية ونشر العديد من المقالات والقصائد 0
لكن كما يبدو أن آفاق العيش ضاقت على هذا الشاعر في لبنان وفي دمشق فهاجر سنة / 1921 / إلى سان باولو عاصمة البرازيل وهناك اشتغل بالصناعة والتجارة من جديد إلا أن عمله الجديد لم يصرفه عن الأدب اذ نظم أجمل القصائد ونشرها , وكان لنتاجه الشعري صدى طيباً في صحف المهجر . وفي مدينة سان باولو انشأ » المنتدى الزحلي « عام 1922 الذي كان يهدف إلى توثيق عرى الاتحاد بين الجاليتين السورية واللبنانية , وقد أظهر من النشاط الأدبي ما جعله موضع احترام وتقدير من قبل الجميع
وحالف الحظ شاعرنا فوزي المعلوف في البرازيل اذ جمع ثروة أمنت له حياة كريمة , إلا أن هذا الغنى المادي لم يستطع أن يخلع عنه ثوب الكآبة, ولا ندري لماذا كان يشعر انه غريب في هذه الدنيا ?هل لانه عاش غريبا في ارض بعيدة ام ان غربته النفسية هي التي اضفت عليه مسحة الكآبة تلك والتي جعلت شبح الموت يتراءى له في كل مكان حتى أنه كثيراً ما تحدث عن الموت وكأنه بانتظاره :
» كما ينطفىء سراج فرغ زيته هكذا تنطفىء حياة الانسان «
» الموت ! الموت ! كلمة رهيبة مكتوبة في كل مكان 000 على أديم الغمام , على صفحة الأرض , على متن الرياح , على كم الزهرة , على جذع الأرزة , على جبهة الانسان «
ويبدو أن الموت كان يستعجل الخطا نحو شاعرنا أو أن هناك موعداً مرسوماً مع الموت
اذ توفي عام 1930 بعد أن ابتلي بمرض أعجز الطب ولم يستطع هذا الطب بكل علومه أن يقدم له جرعة دواء تكون شافية
إن الحياة القصيرة التي عاشها فوزي المعلوف لم تساعده في نتاج يوازي مقدرته الابداعية التي كان بالامكان ان تكون أكثر غزارة وثراء فيما لو مد الله بعمره 000 لكن على الرغم من ذلك فقد ترك لنا على بساط الريح وملحمة أخرى لم ينجزها هي » شعلة العذاب « ومنظومات متفرقة مثل » أغاني الأندلس « و » تأوهات الروح « و » من قلب السماء « و » مقالات وروايات لم يتم أكثرها .
وقد عرف فوزي المعلوف بحسه الجمالي الرهيف وتذوقه الأنيق , ومقدرته على ابراز آثار الروعة التي يراها متجسدة في كل شيء وذلك من خلال منطق فلسفي حياتي يوحي بثقافة واعية وتبصر عميق 00 في قصيدته » لغز الوجود « نستطيع أن نلمح ذلك العمق الفلسفي الممتزج بالجمال :
برعم الزهر ما وجدت لتبقى
بل ليمضي بك الخريف
هذه حالنا : خلقنا لنشقى
ولتقضي بنا الحتوف
كيف جئنا الدنيا ? ومن أين جئنا ?
وإلى أي عالم سوف نفضي ?
هل حيينا قبل الوجود ? وهل نبعث بعد الردى , وفي أي أرض ? هو كنة الحياة , وما زال سراً كل حكم فيه يؤول لنقص
كيف اجلو غدي وادرك أمسي
وأنا حرت كيف يومي سيمضي
كما رأى المعلوف أن الانسان ترابي وإلى التراب مرده فهو يجيء إلى الأرض لابساً ثوب العفاف لكنه لا يلبث أن ينقاد إلى الشر 000 ولعل الموت خير مخلص لهذا الانسان ليقول :
سكن الأرض مرغماً وهو لو
خير ما اختار غير ظلمة رمسه
وهنا يلتقي المعلوف مع شاعر المعرة أبي العلاء الذي قال في الموضوع نفسه :
ضجعة الموت رقدة يستريح الجسم فيها ,والعيش مثل السهاد
والحقيقة أن شاعرنا فوزي المعلوف عرف كثيراً من خلال قصيدته » على بساط الريح « التي ترجمت إلى أكثر اللغات اذ يصف فيها رحلة قام بها محلقاً في فضاء كأنما خلق ليحلق فيه دوماً بروحه
ليت شعري ما الشاعر ابن لهذي ال¯
أرض إلا بلحمه وبعظمه
والفكرة الرئيسة التي تدور عليها هذه القصيدة هي » الغريب « الذي يحن في دنياه دائماً إلى موطن من غير عالم التراب :
بين روحي وبين جسمي الأسير
كان بعد - ذقت مره
أنا في الأرض 000 وهي فوق الأثير
أنا عبد 000 وهي حرة
»وعلى بساط الريح « تحمل الكثير من الافكار والصور والموسيقى الرائعة التي اعطتها هذا الكل الجمالي الآسر 000 حتى أن الكثير من النقاد والأدباء الكبار ابدوا اعجابهم بها ومنهم طه حسين الذي قال فيها :
» مر فوزي المعلوف بالأرض مراً سريعاً ولكنه ترك في النفوس صدى يتردد حلواً لا ذعاً محرقاً معاً , ولا أعرف أنني تأثرت بشاعر كما تأثرت بهذا الشاعر الشاب حين قرأت قصيدته » على بساط الريح « فاهتزت لها نفسي اهتزازاً وانشق لها قلبي انشقاقاً «
وأود أن أختم بقصيدة للشاعر فوزي المعلوف بعنوان » وداع الوطن « للتأكيد بأن الوطن هو أغلى ما يملكه الانسان :
مهما يجر وطني علي وأهله
فالأهل أهلي والبلاد بلادي
أرثي لبؤسهم فأندب حالهم
بفمي , وأرثي حظهم بمداد
قسماً بأهلي لم أفارق عن رضى
أهلي وهم ذخري وركن عمادي
المصدر : مناهل الأدب العربي فوزي المعلوف